د. الحسن اللاوي "وباء (كورونا) ومفاهيم خاطئة"
كتب-إيهاب زغلول
يقول الدكتور الحسن عبداللطيف اللاوي الأستاذ بجامعة الأزهر : من المفاهيم الخاطئة التي شاعت بعد انتشار وباء (كورونا) أنه عذاب أرسله الله على الناس، وفي هذا مخالفة لما صحَّ عن المعصوم ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ جاء في مسند أحمد عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَنِي رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: «أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ».
في هذا يبيِّن النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أن الوباء للمؤمنين رحمة وليس عذابا ـ كما يتوهم كثير من الناس ـ وقد قال النووي: "هَذَا الْوَصْفُ بكونه عَذَابًا مُخْتَصٌّ بِمَنْ كَانَ قَبْلنَا وَأَمَّا هَذِهِ الأمة فهو لها رَحْمَةٌ وَشَهَادَةٌ."
ومن المفاهيم الخاطئة التي أفرزتها هذه الجائحة ما رأيته مكتوبا على صفحة أحد الأصدقاء في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي: "أن وباء (كورونا) لا يصيب مؤمنا أبدا." وقد أزعجتني هذه العقيدة الفاسدة إزعاجا بالغا؛ لأنها تدعي زورا وبهتانا أن من أصيبوا أو ماتوا أو سيصابون أو سيموتون بهذا الوباء من المسلمين شرقا وغربا ليس فيهم مؤمن واحد.
ألم يكن آلاف الصحابة الذين أصيبوا أو ماتوا في طاعون عَمَواس مؤمنين؟!
ألم يقل أبو عبيدة ومعاذ ـ رضي الله عنهما ـ في هذا الطاعون: "إِنَّ هَذَا الْوَجَعَ رَحْمَةُ رَبِّكُمْ، وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ، وَمَوْتُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ."؟!
ألم يقل المعصوم ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فيما صحَّ عنه: «وَالمَطْعُونُ شَهِيدٌ»؟!
ومن المفاهيم الخاطئة التي ابتلينا بها خروج كثير من الناس من منازلهم لغير ضرورة محتجِّين بقول الله تعالى: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا) ناسين أو متناسين قول الله تعالى: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة)، ولو أنهم رجعوا إلى سنة رسولهم ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لوجدوا فيها دعوته الشريفة إلى البقاء في البيوت عند حدوث الوباء مع الصبر والاحتساب حيث يقول في ما صحَّ عنه: «فَلَيْسَ مِنْ رَجُلٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَيْتِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ».
فالبقاء في البيت سنة قولية عن المعصوم، ولا يتنافى مع الإيمان بأن الإنسان لا يصيبه إلا ما كتب الله له، بل هو تحقيق لهذا الإيمان كما يتضح من نصِّ هذا الحديث النبوي الشريف الذي قال عنه ابن حجر: "مَفْهُومُ هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا اقْتَضَى مَنْطُوقُهُ أَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ يَحْصُلُ لَهُ أَجْرُ الشَّهِيدِ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ بِالطَّاعُونِ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ أَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ فَوَقَعَ بِهِ الطَّاعُونُ فَمَاتَ بِهِ أَوْ وَقَعَ بِهِ وَلَمْ يَمُتْ بِهِ أَوْ لَمْ يَقَعْ بِهِ أَصْلًا وَمَاتَ بِغَيْرِهِ عَاجِلًا أَوِ آجِلًا."حفظنا الله جميعا وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

تعليقات
إرسال تعليق