د. ناصر السلاموني يكتب :عربات جدعون والواقع الدموى
لم يكن اختيار إسرائيل لاسم "عربات جدعون" لعمليتها الأخيرة في غزة اختيارًا عابرًا، بل هو استدعاء لرمز توراتي قديم من سفر القضاة، حيث يُروى أن (جدعون بن يوآش) قاد ثلاثمائة رجل فقط لهزيمة جيش( المديانيين )الضخم المدجج بالجمال والعربات الحربية. كانت القصة في سياقها الديني رمزًا لانتصار القلة المؤمنة بالإيمان والتكتيك على الكثرة الغاشمة، ورسالة لليهود آنذاك بأن النصر يتحقق بإرادة الله لا بكثرة العدد والعتاد. إلى هنا والأمر جيد ولكن عند النظر إلى التاريخ والآثار، لا نجد أي دليل مستقل يؤكد وجود (جدعون) أو وقوع تلك المعركة. فالمديانيون كشعب لهم وجود تاريخي مثبت في شمال الجزيرة العربية وجنوب الأردن، لكن الصراع مع (جدعون) يظل في نظر المؤرخين أقرب إلى الأسطورة أو الملحمة القومية منه إلى حدث تاريخي موثق. ومع ذلك، تحولت القصة إلى رمز يُستدعى لتبرير سياسات وممارسات في عصور لاحقة. اليوم، تستحضر إسرائيل هذا الرمز تحت اسم "عربات جدعون" لتغطي به على واحدة من أشرس عملياتها ضد غزة. والمفارقة أن إسرائيل الآن ليست هى القلة الضعيفة، بل القوة النووية الوحيدة في المنطقة، المدعومة بلا حدود م...