في حب الوطن
بقلم /نورة موسى كفر الشيخ
الوطن
كلمة قليلة الحروف لكنها عميقة المعاني ، يَشْعُر بهذه الكلمة حقًا من ذاق مرارة
الاغتراب، بل قد يبكي المرء عند سماعها
ويحنوا إلى وطنه ، فالإسلام دين الفطرة ، وحب الوطن فطرة فطرنا الله عليها، فهو
أرض النشأة والسكن، فيه تربينا وتعلَّمنا، وليس أدل على حب الوطن من حب النبي (
صلى الله عليه وسلم) لوطنه ، فعنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِمَكَّةَ: مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وأَحبَّكِ إلَيَّ،
وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ. رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وكذلك حينما خرج ( صلى الله عليه وسلم ) مُهاجرًا
مضطرًا إلى المدينة دعا الله أن يُحبب إليه المدينة كحبه مكة أو أشد، فعن عائشة (
رضي الله عنها ) أَنَّ رَسُول اللَّهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: ((
اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ،
وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ
حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بـ(الْجُحْفَةِ) )) (رواه مسلم) ، واستجاب الله دعاء نبيه
ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعُوِفَي المسلمون بعدها من هذه الحمى، وأصبحت المدينة
المنورة موطنًا محببًا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولكل المهاجرين إليها من
المسلمين، على تنوع بيئاتهم ومواطنهم، فرغم حب الصحابة لمكة، إلا أنهم آثروا دين
الله – عز وجل ـ على حبهم لوطنهم، فهاجر مَن هاجر منهم إلى الحبشة، ثم هاجروا
جميعًا إلى المدينة المنورة، تاركين وطنهم حفاظًا على دينهم، ورغبةً في نشره بين الناس، ولذلك وصفهم الله ـ عز وجل ـ
بالمهاجرين، وجعل هذا الوصفَ مدحًا لهم يُعلي قدرَهم، ويبيِّن فضلَهم إلى يوم
القيامة، فقال ـ تعالى ـ: { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا
مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا
وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ }(الحشر الآية: 8
) ، كلُ ذلك يدلُنا على مكانة الوطن ،وأنَّ علينا أن نؤدي حق وطننا ،ومن حقوق
الوطن علينا، أن نُصلحه ونُعمّر أرضه كلٌ
حسب قدرته وطاقته , وأن نحافظ على الوحدة الوطنية وعلى وحدة أراضي الوطن وسيادتها،
وعدم إثارة الفتن والشغب، وأن نتصدى بحزم وقوة لمحاولات إيذائه أو النيل منه، وأن
نَكون وحدة واحدة معًا، فنحمي أرضنا ، ونساعد مع جنودنا البُسلاء الذين ضحوا
بأرواحهم في سبيل الوطن ،وبذلوا من أجله
كل غالٍ ونفيس، فنالوا شرف الشهادة في سبيل الله، واستحقوا هذه المكانة العظيمة
التي أعدَّها الله جلَّ وعلا لهم في الدنيا والأخرة، ويُبين ذلك حديث عُبَادَةَ
بْنِ الصَّامِتِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ
لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سَبْعَ خِصَالٍ: أَنْ يُغفَرَ لَه فِي أَوَّلِ دُفْعَةٍ
مِنْ دَمِهِ، وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجنَّةِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الْإِيمَانِ،
وَيُجَارَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنَ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ،
وَيُوضَعَ عَلَى رَأْسِه تَاجُ الْوَقَارِ؛ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ
الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ
الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ)).
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. فاللهم اجعل مصرنا أمنًا أمانًا سخاءً رخاءً
وسائر بلاد المسلمين.

تعليقات
إرسال تعليق