عبادة يغفل الناس عنها
بقلم /نعمة محمد مصطفى الشنشوري
منطقة وعظ جنوب سيناء
عندما
يطرق إلى آذننا مصطلح “عبادة” فإن أول ما يأتي إلى أذهاننا العبادات المعروفة مثل:
الصلاة والصيام وبر الوالدين وصلة الأرحام وغيرها من العبادات، ورغم أن هذه
العبادة من أعظم العبادات وأفضلها ولكنها أصبحت متخفية؛ وهذا لغفلة الناس عنها، أو
للجهل بها وبكونها عبادة لها ثواب عظيم.
وهذه العبادة لها أجر عظيم يفوق أجر العبادات
المشهورة خاصةً إذا جاءت في وقتها المناسب.
فمن أين جاءت عبادة جبر الخواطر؟
جبر
الخواطر خلق إسلامي عظيم يدل على سمو النفس وعظمة القلب وسلامة الصدر ورجاحة العقل؛
فهذا المسلم الذي يتحلى بها يجبر أخيه المسلم الذي كُسرت نفسه، وكُسر وقلبه،
وأرهقت روحه، فما أجمل هذه العبادة وما أعظم أثرها.
ومما يزيد هذا المصطلح جمالًا أن
"الجبر" كلمة مأخوذة من أسماء الله الحسنى وهو “الجبار” وهذا الاسم
بمعناه الرائع يُطمئِنُ القلبَ ويريحُ النفس فهو سُبْحَانَهُ “الذِي يَجْبُرُ
الفَقرَ بِالغِنَى، والمَرَضَ بِالصِحَّةِ، والخَيبَةَ والفَشَلَ بالتَّوْفِيقِ
والأَمَلِ، والخَوفَ والحزنَ بالأَمنِ والاطمِئنَانِ، فَهُوَ جَبَّارٌ مُتصِفٌ
بِكَثْرَةِ جَبْرِهِ حَوَائِجَ الخَلَائِقِ”. ولما كان جبر الخواطر مهمًا، كان من
الأدعية التي لازم عليها النبي صلى الله عليه وسلم فقد روي عن ابن عباس رضي الله
عنهما (أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقولُ بين السجدتينِ ربِّ اغفرْ لي
وارحمْني واهدِني واجبُرْني). سنن الترمذي.
ومن هذه العبادة قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِي
فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن
جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }. (القصص ٨٥) فقد كانت مكة أحب
البلاد إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أنه ولد فيها ونشأ فيها وأُخرج
منها ظلما، فكان هذا الموقف الصعب، والفراق الأليم يحتاج إلى شيء من المواساة
والصبر، فكان الجبر والمواساة من رب الأرباب؛ فأنزل الله تعالى له قرآن مؤكد بقسم؛
أن الذي فرض عليك القرآن وأرسلك رسولًا وأمرك بتبليغ رسالته سيردك إلى موطنك مكة
عزيزًا منتصرًا قويًا وهذا ما حصل بالفعل.
ومثل
هذا ما جاء في القرآن الكريم في قصة يوسف عليه السلام لجبر خاطره حيث قال الله تعالى:
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ
وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ
يَشْعُرُونَ } (يوسف ١٥) فكان هذا الوحي من الله سبحانه وتعالى لتثبيت قلب يوسف
–عليه السلام_ ولجبر خاطره؛ لأنه ظُلم وأُوذي من أخوته والمظلوم يحتاج إلى جبر
خاطر، لذلك شرع لنا جبر الخواطر المنكسرة.
فكان
الجبار جابرًا للخواطر وعلى هذه الشريعة سارت جميع الأنبياء.
فسيروا
بين الناس جابرين للخواطر حتى ينجيكم الله من جوف المخاطر.

تعليقات
إرسال تعليق