العطايا الربانية
لقد كتب الله على كل إنسان أن يأخذ نصيبه من الفرح والترح
في هذه الحياة، فلا حزن يدوم ولا سرور، وإنما هي أقدار مكتوبة عند الله قبل خلق
الإنسان، قال تعالى: " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ
"(البلد: ٤)، ولا غرو فهذه الحياة زائلة وليست دائمة، خُلق فيها الإنسان
ليسعى ويعمل والجزاء ليس فيها، وإنما الجزاء في الآخرة الباقية، قال تعالى :
" وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى
ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى" (النجم: ٣٩-٤٠-٤١)، ومن جملة ما يلاقيه
الإنسان في هذه الحياة المصائب والابتلاءات التي منها ما يكون بفقد قريب أو عزيز،
أو خسارة مال، أو مرض يشقى به الإنسان، وفي كل ليس بيد المرء شئ سوى أن يسلم لقضاء
الله سبحانه ولا يجزع ولا يسخط وإنما يرضى بقضاء الله وقدره، بل ويتعامل مع هذه
البلايا على أنها عطايا ربانية ومنح إلاهية من رب البرية، فلا شك أنه كما في المنح
عطاء، في المنع أيضًا عطاء، والمؤمن الذي يرضى بقضاء الله ويسترجع يبدله الله
بالعسر يسرا، وبالشدة فرحًا وخيرا، وهاهي الصحابية الجليلة أم سلمة تعلمنا درسًا
في الصبر واحتساب الأجر عند الله، لما مات أبو سلمة -رضي الله عنه- سنة ثلاث من
الهجرة إثر جُرح بأُحُد اندمل ثم انتُقِضَ، حزنت لفراقه السيدة أم سلمة -رضي الله
عنها- حزنًا كبيرًا، وكان مما خفَّف عنها حزنها أنها سمعت أبا سلمة ذات يوم بعدما
أتى من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثها بحديث سمعه من النبي - صلى الله
عليه وسلم -قال: "لا يُصِيبُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُصِيبَةٌ
فَيَسْتَرْجِعَ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ"، ثُمَّ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ
أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا. إِلاَّ فُعِلَ ذَلِكَ
بِهِ» (رواه أحمد)، فلمَّا تُوُفِّي أبو سلمة استرجعت، وقلت: اللهم أجرني في
مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها. تقول: "ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي"،
قُلْتُ: "مِنْ أَيْنَ لِي خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟!"، وما درت أم
سلمة بتقدير الله لها، ومكافأتها على صبرها واحتسابها وامتثالها لأمر الله ولأمر
رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فلما انقضت عدتها خطبها أبو بكر فردَّته، ثم خطبها
عمر فردَّته، حتى جاء يوم سعدها ومكافأتها على صبرها واحتسابها، وقد أراد الرسول
صلى الله عليه وسلم تكريمها بأن يعولها وأولادها بعد وفاة زوجها المجاهد أبي سلمة
-رضي الله عنه-، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الواعظة / إيمان محمد زين العابدين أبوطه
منطقة وعظ الغربية

تعليقات
إرسال تعليق