مسافرون عبر الزمن
مسافرون عبر الزمن
بقلم الواعظة/ وفاء حسام الدين "
عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف"
دائما على وشك أن نكرر نفس الخطأ الذى نفعله من ضياع الوقت الذي هو عمرنا، ونفوت مثل هذه الأوقات الطيبات والأيام المباركات في متاع الحياة ومتاهاتها ، نعلم ضرورة استغلال هذه الأيام المباركة الاستغلال الأمثل فى الطاعة والعبادة والنفع والخير، نعلم هذا علم اليقين، ولكن -للأسف-كثيرٌ من هذه الأيام تفوت وتضيع رغم معرفتنا التامة بأنه بفواتها دون الاستغلال الأمثل لها يستحيل عودتها مرة أخرى.
ونصل هنا لمقام الأماني، نتمنى السفر عبر الزمن للرجوع إلي الماضى، نقول: "لو ذاكرت للامتحان جيدا و أعددت له لكُنت وكان، لو فعلت كذا لكان وكان"، حتى قول الله -عز وجل- في محكم التنزيل حكاية عن المحتضر: (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) [المومنون:100] يتمنى الرجوع للحياة؛ لتدارك ما فات، وإصلاح ما كان من أهل ومال، وما سلف من إفراط وتفريط، محدثا نفسه: "لعلي أستدرك ما ضيَّعْتُ من الإيمان والطاعة"، لكن وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ.
ونتمنى أيضا طول الأجل؛ لفعل كثير من الصالحاتِ والطاعاتِ والعباداتِ والخيراتِ، وهنا نتذكر تنبيه العفو الكريم -عز وجل- لنا في قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" [المنافقون 9:11].
لنعلم أن ما نقدمه اليوم من أفعال وأقوال هو حصاد ما نلقاه في آخرتنا يوم لقاء الله -عز وجل-.
قال سلمة ابن دينار -رحمه الله-: "ما أحببت أن يكون معك في الآخرة فقدمه اليوم، وما كرهت أن يكون معك في الآخرة فاتركه اليوم".
ويوصينا سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بقوله: "أيها الناس احتسبوا أعمالكم، فإن من احتسب عمله، كتب له أجر عمله وأجر حسبته".
فَرَحِمَ اللَّهُ امرءً صار من أهل الآخرة وعَمِلَ فِيمَا يَتَمَنَّاهُ الْكَافِرُ إِذَا رَأَى الْعَذَابَ، وفَعَلَ الخيرَ والصلاحَ، وقَدّمَ في يومِه ما ينفعُه في آخرتِه؛ لِيَنَال رضا الله ورِضوانه، واستحق أن يكونَ من أمةِ محمد ﷺ.

تعليقات
إرسال تعليق