إيمانًا واحتسابًا »
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَام رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَـهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِـهِ». [ متفق عليه].
و« مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ».
و« مَن يَقُمْ لَيْلَةَ القَدْرِ، إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ».
بشرى عظيمة على لسان الصادق المصدوق (صلى الله عليه وسلم) بمغفرة ما تقدم من الذنوب «ومعناه باختصار: من رمضان الماضي إلى رمضان الحالي يغفر كل ما وقع فيه العبد من الذنوب باستثناء ما فيه حقوق العباد ».
ولو أدرك العبد عظيم الفضل والجود الذي يتعامل به رب العالمين مع عباده الصائمين لخشعت له القلوب محبة وإجلالًا، سبحانه كريم العطايا، واسع الجود، يجازي على القليل بالكثير، وهذه بعض آثار اسم الله الشكور.
وليعلم كل مكلف بالصيام
أن المغفرة مشروطة بأمرين هما: الإيمان، والاحتساب؛ وهما عملان قلبيان وهذا وإن دل يدل على أهمية القلب، وأنه ملاك الأمر كله، والمعول عليه في بلوغ العبد مبلغًا عظيمًا، وأنه محل نظر الله عز وجل، فليحرص العبد أن يجعله طاهرًا، نقيًا، سليمًا، من الرياء والسمعة، وطلب نظر الناس، وليملأه إخلاصًا وإيمانًا وتقوى وخوف من الجليل سبحانه، وإذا كانت هذه المغفرة متوقفة على أن يكون الصيام والقيام في رمضان وفي ليله القدر إيمانًا واحتسابًا لله عز وجل فلابد من فهم وإدراك معنى الإيمان والاحتساب وما لا يتحقق الواجب إلا به فهو واجب.
يقول الإمام بن حجر في المراد بالإيمان: الاعتقاد بفرضية صومه. وبالاحتساب: طلب الثواب من الله تعالى.
وقال الخطابي: احتسابًا أي: عزيمة، وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه، طيبة نفسه بذلك، غير مستثقل لصيامه، ولا مستطيل لأيامه.
وتكرار الإيمان والاحتساب في الأحاديث الثلاثة؛ لتأكيد الأمر في النفوس، والتنويه على أهميته، وأنه الأساس في كل عمل يتقرب فيه العبد لله عز وجل أن يتحقق فيه الإيمان والاحتساب.
وهذا يدفعنا لتأكيد أن رمضان عبادة مفروضة،
يُطلب بها رضا الله عز وجل، والجزاء العظيم في الأخرة، وليست مناسبة سنوية
أو احتفالية بطقوس معينة يُلبس لها ثياب مخصوصة، ويُؤكل فيه في أواني ذات زخارف معينة، وإن كان إظهار الفرحة بقدوم الشهر والتهنئة به سنة نبوية.
ولكن هذا التوسع في الترف من أين أتانا؟
ولم يقتصد أسلافُنا ما اقتصدوا في رمضان
، فكانوا يقللون من الطعام، والكلام، وألوان المباحات، وما لا فائدة فيه، ويكثرون من الطاعات والقربات إيمانًا واحتسابًا، وهذا ما سبقنا فيه سلفنا؛ فوالله ما سبقونا بكثير عمل ولكن بشيء وقر في قلوبهم، وهو الفهم عن الله لمقصود الصيام؛ فسبقت قلوبهم جوارحهم بالصيام.
وهذا الذي نراه في واقعنا من غفلة الناس عن فضل هذا الشهر وكيف هو فرصة عظيمة لمغفرة ما تقدم من ذنوبهم، وقد وقع في رواية أخرى في غير الصحيح زيادة: وما تأخر، فهي تدل على مغفرة ما لم يقع من الذنب كذلك، وهذا من فضل الله تعالى العظيم فهل هناك صاحب عقل سليم يضيع على نفسه هذه الفرصة العظيمة !
يقول النبي ( صلى الله عليه وسلم): (رغِمَ أَنفُ (خاب وخسِر) رجلٍ ذُكِرتُ عندَهُ فلم يصلِّ عليَّ، ورَغِمَ أنفُ رجلٍ دخل عليه رمضانُ ثمَّ انسلخَ قبل أن يُغفَرَ له، ورغمَ أنفُ رجلٍ أدرَكَ عندَه أبواهُ الكِبَر فلم يُدْخِلاهُ الجنة) رواه الترمذي.
فاللهم صيامًا وقيامًا يرضيك وكما تحب.
د. هبة أحمد.
واعظة بالأزهر الشريف.

تعليقات
إرسال تعليق