انتصارات الصائمين


تطل علينا ذكريات النصر في شهر رمضان المبارك كل عام، والذي كان فيه موقعة بدر يوم السابع عشر من رمضان، وهي من المعارك الفاصلة في تاريخ الإسلام؛  ولذا سماها الله تعالى في كتابه بـ "يوم الفرقان"؛  لأنه فرَّق بها بين الحق والباطل، وكان لها أعظم الأثر في إعلاء شأن الإسلام وعزة المسلمين.

وكذلك انتصارات السادس من أكتوبر العاشر من رمضان،  والتي تجدد في نفوسنا مشاعر العزة والفخر بقيادتنا الحكيمة وجيشنا الباسل الذي استطاع أن يقضى على خرافة العدو الصهيوني الذي كان يدعي أن جيشه لا يقهر.

إن المتتبع لعوامل النصر في أي معركة يجد أن أساسها الأول هو اليقين والتوكل على الله، مع بذل الوسع في السعي والأخذ بالأسباب، فنصر بدر واكتوبر كانا في شهر رمضان الذي يرتفع فيه سقف الإيمان في النفوس لأعلى الدرجات، هذا الإيمان الذي يجلب الفتوحات الربانية أثناء التخطيط للحرب، وتوزيع المهام والأدوار كل حسب موقعه، فتكون النتيجة نصر من الله وفتح قريب.

وفي وقتنا الحاضر لو كانت معارك السلاح والدبابة قد توفقت في بلادنا فهناك معارك متعددة ومن طراز مختلف أصبحنا نخوضها جميعا ولا أبالغ لو قلت بصفة  يومية، والتي نستطيع أن نطلق عليها معارك ( الوعي)، مثل معركة جهاد النفس من الوقوع في براثن الشيطان، أو الانجراف خلف شهوة تستحكم عليها، في زمن تكاثرت فيه الفتن كقطع الليل المظلم، وأصبح الحفاظ على الدين والعض عليه بالنواجز كحمل قطعة الجمر بين اليدين، قال صلى الله عليه وسلم: ويل للعرب من شر قد اقترب، فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر، أو قال على الشوك) رواه أحمد،  وفي رواية الترمذي: (يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر).


كما أن هناك معركة الحفاظ على الأسرة من التفكك والانهيار إما بالطلاق الصريح أو الطلاق الصامت الذي يعيش فيه الزوجين تحت سقف واحد وينطبق عليهم قول الله تعالى:( بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ) الحشر ١٤.


كما أن الحياة الزوجية تتعرض لمعارك الحفاظ على ستر البيوت في زمن السوشيال ميديا، والتي أصبحت بعض البيوت كأنها زجاجية ترى كل ما بداخلها على الملأ دون حياء أو نخوة.


وهناك معركة تربية الأبناء، الهبة الربانية التي وهبنا الله إياها، وهم وقود الأوطان وصمام الأمان لها، أبناؤنا الذين يحاول الأعداء اختطافهم فكريا، وتكثير المشتتات والملهيات حولهم من وسائل تواصل اجتماعي لا حدود لها، وتغييب هوية يجعل الفرد هشًا لا يقف على أرض صلبة، وتقديم نماذج مشوهة كي يقتدون بها، مع عدم غفلة العدو عن محاولة تشوية صورة الصحابة والطعن فيهم، كما لا نغفل عن إدمان المخدرات التي تدمر عقولهم، وتقديمها في صورة المخلص لهم من المشاكل التي يواجهونها، والتي تجعلهم يشعرون بنشوة وسعادة وهمية.


وعن معركة تحري الحلال في المأكل والمشرب فحدث ولا حرج، فأصبحت هناك مسميات منمقة للحرام تجعل الضمير يدخل في سبات عميق لا يفيق منه إلا وهو بين يدي ربه ليسأله عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه كما قال صلى الله عليه وسلم): لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ عن عمرِهِ فيما أفناهُ ، وعن عِلمِهِ فيمَ فعلَ، وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ، وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ) أخرجه الترمذي.


إن الثبات على قيم ديننا ومجتمعنا الإسلامي والعربي هو معركتنا جميعا الآن، والتي نحتاج فيها لاستدعاء همة وعزيمة الصائمين التي حققت النصر لنبينا ضد المشركين، وحققت لجيشنا العزة والفخار ليوم الدين.


حنان عمران.

واعظة بالأزهر الشريف.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بالأسماء تعرف على أوئل الشهادة الإبتدائية والإعدادية الأزهرية بالغربية

نموذج محاكاة الحياة النيابية والتشريعية فاعلية تثقيفية لطلاب أمانة وجه بحري بجامعة الأزهر

الغربية الأزهرية تشارك في فعاليات معرض الكتاب بفريق إنشاد ديني متميز